(يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.
محاضرة الإيمان باليوم الآخر
8960 مشاهدة
الإيمان باليوم الآخر وبالجنة والنار

من الإيمان بالله الإيمان بخبره، من الإيمان بالغيب الإيمان باليوم الآخر، ولعله آخر ما نتكلم عليه لنبدأ في الأسئلة. لما كان الفلاسفة والمشركون الأولون ينكرون البعث بعد الموت، ويدعون أنه ليس هناك حشر ولا نشر ولا بعث ولا حساب؛ وإنما هذه الدنيا ليس بعدها دار أخرى. ينكرون الآخرة وينكرون البعث بعد الموت، وينكرون الجزاء على الأعمال؛ لذلك جاءت الأدلة كثيرة على إثبات البعث بعد الموت، وعلى إثبات يوم القيامة، وعلى إثبات ما فيه من الحساب والجزاء على الأعمال.
فصدق بذلك قوم وآمنوا به وهو الإيمان بالغيب وكذب به آخرون؛ ففاز المصدقون وخاب المكذبون. لا نطيل في الأدلة التي فيها إثبات يوم القيامة، والتي جعلها الله تعالى أدلة على الحشر وعلى البعث بعد الموت؛ وذلك لأنا والحمد لله نصدق بذلك. نصدق بقدرة الله على أنه سوف يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ وسوف يعيد الأرواح إلى أجسادها، ويجمع جسد كل أحد.
كل ذي جسد ويرده إلى حياته؛ بل تكون حياة أكمل من حياته التي في الدنيا التي يعتريها موت ويعتريها نوم، ونحو ذلك. ولكن نقول: إن الإيمان باليوم الآخر هو الباعث غالبا للأعمال الصالحة؛ ولأجل ذلك كثيرا ما يقتصر عليه في الحديث.
يقتصر النبي صلى الله عليه وسلم على الإيمان بالله واليوم الآخر؛ مثل قوله صلى الله عليه وسلم- من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، من يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت يقتصر على يؤمن بالله واليوم الآخر. لم يقل يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله؛ لأن من آمن باليوم الآخر عمل له؛ عمل له واستعد له.
وكذلك في أحاديث مثل قوله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم اقتصر على تؤمن بالله واليوم الآخر؛ فنقول: إن من آمن اليوم الآخر ظهر عليه أثره، وذلك لأنه هو اليوم الذي يحصل فيه الحساب على الأعمال، يحصل فيه الثواب والعقاب؛ لم ذكر الله تعالى. تسمعون قول الله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ .
وقبلها قوله تعالى: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ يصدرون عن الموقف ليروا أعمالهم ويحاسبون عليها؛ فمن آمن مثلا بطول ذلك اليوم الذي وصف طوله؛ فإنه يستعد له لأنه يوم طويل كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ أو مثل خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ؛ ولكن المؤمنون لا يحسون بطوله؛ بل كأنه عندهم صلاة مكتوبة؛ وذلك لخفته عليهم.
كذلك أيضا إذا آمن بالحساب فإنه يستعد له. الحساب على الأعمال وإن كان الحساب إنما يكون على؛ يعني على الأعمال التي فيها ثواب أو عقاب، ومع ذلك فإنه سبحانه لو حاسب العباد وناقشهم وذكرهم بنعمه لهلكوا. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: من نوقش الحساب عذب ولما سئل عن قوله تعالى: فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا قال: إنما ذلك العرض ؛ فمن آمن بالحساب وصدق به، وهو من الغيب استعد لنفسه. ولذلك تذكرون قول عمر رضي الله عنه:حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا.
إذا آمن بأنه سوف يحاسب على سيئاته ويحاسب على كلماته؛ فلا بد أنه يكثر من الصالحات، ويقلل من السيئات والمخالفات؛ لأنه يعلم أنه سوف يجدها. كذلك أيضا إذا آمن بالميزان وأنه توزن فيه الأعمال؛ فتوزن الحسنات والسيئات فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ من آمن بهذا الحساب، ومن آمن بهذا الميزان استعد له.
هذا الإيمان أيضا من الإيمان بالغيب، الإيمان بأن هناك ميزانا توزن فيه الأعمال، هذا من الإيمان بالغيب؛ ولكن إنما يظهر أثره على الذين صدقوا به تصديقا جازما. وكذلك أيضا من آمن بالصراط الذي ذكر أنه صراط مستقيم أنه صراط طويل، وأن الناس يمشون عليه بأعمالهم، منهم من يمر كالبرق ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كأجاود الخيل والركاب، ومنهم من يعدوا عدوا إلى آخره.
لا شك أن من آمن بذلك فإنه يستعد له، ويعلم أن الذين يمرون كالبرق هؤلاء هم الأتقياء الأنقياء الذين اتقوا الله تعالى؛ فيحرص على أن يكون منهم، وأن الذين يكردسون في النار هم الذين لم يستعدوا؛ في الحديث يقول: ومنهم مكردس في النار أو على جنبتي الصراط كلاليب تخطف من أمرت بخطفه الذين يؤمنون بذلك لا بد أن يظهر عليهم أثر هذا الإيمان.
كذلك أيضا آخر شيء هو الإيمان بالجنة والإيمان بالنار. ورد أثر عن علي رضي الله عنه قال: عجبت للجنة كيف ينام طالبها؟ وعجبت للنار كيف ينام هاربها؟.
الإيمان بالجنة والنار من الإيمان بالغيب؛ ولكن نجزم بأن ربنا سبحانه وتعالى خلق هذه الجنة والنار، وخلق لهما أهلا خلقهم لها، ووفق هؤلاء لعمل أهل الجنة، وخذل هؤلاء فعملوا بعمل أهل النار؛ ولذلك قال الله تعالى: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ .
أزلفت الجنة للمتقين يعني أبرزت وأظهرت، وكذلك أيضا برزت الجحيم للغاوين. وأخبر تعالى بشيء من عذاب النار حتى يحذرها من يحذرها، قال الله تعالى: إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا ويقول تعالى: تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا وأخبر بشدة حرها وشدة عذابها، كما في قوله تعالى: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا وقال تعالى: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا .
والأحاديث كثيرة في صفة عذابها، والآيات أيضا كثيرة واضحة؛ فمن آمن بها فإنه قد آمن بالغيب. الإيمان بهذه النار التي جعلها الله تعالى عذابا لمن كفر به، وأخبر بما فيها من العذاب. والآيات كثيرة تقرءونها في القرآن، حميمها وغساقها وزقومها وما أشبه ذلك، كيف يهديه المنام وهو لا يدري أهو في الجنة أم في النار؟! كيف ينام طالب الجنة إذا آمن بأنها الدار التي أعدها الله لأوليائه كما في قوله تعالى: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ .
وقال الله تعالى: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ والآيات كثيرة معروفة في كلام الله تعالى؛ فالإيمان بالغيب هو الإيمان بالجنة والنار؛ أي من جملته الإيمان بالجنة والنار فمن آمن بالجنة حرص على أن يطلبها، وأن يعمل الأعمال الصالحة التي تؤهله لها، ومن آمن بالنار حرص على أن ينجو منها، وأن يبتعد عن السيئات والمخالفات التي توقعه فيها. من كان كذلك فإنه ممن آمن بالغيب.